ثبوت الشهر برؤية الهلال أو إكمال العدة
الهدى الصحيح في ثبوت رؤية هلال شهر رمضان المبارك الذي يمن الله به علي عباده المخلصين بإتباع الكتاب والسنة
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهداه. أما بعد
العبادات توقيفية من عند الله سبحانه وتعالي، فلذلك دخول العبادات وخروجها يجب أن يكون حسب الشريعة. فدخول الصلاة بتكبيرة الإحرام والخروج منها بالتسليم، وكذلك الحج فله وقته وزمنه، ودخول رمضان وخروجة بالرؤية. فقد امر الله بذلك فى كتابه وامر النبي صلي الله عليه وسلم أيضاً بذلك في سنته قولاً وفعلاً
فريضة الصيام عبادة شرعها الله تعالى، الأمر الذي يحتم على المسلم معرفةَ الأحكام المتعلقة بدخول شهر الصوم وخروجه، حتى يؤدي هذه العبادة على الوجه المطلوب
بم يثبت دخول رمضان؟
من المعلوم أن دين الإسلام يُسر في تشريعاته، ومن يُسره: معرفة دخول شهر رمضان المبارك وخروجه، ولمعرفة دخوله وخروجه طريقان لا ثالث لهما
الأول: رؤية هلال رمضان وهلال شوال
ثانيهما: إكمال عدة شعبان ثلاثين، إن لم يُرَ الهلال ليلة ثلاثين من شعبان
وهذا ثابت في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وعند جميع أهل العلم الراسخين فى العلم والمذاهب الاربعة
ودليل ذلك قوله تعالى في آية الصيام: "فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ" - البقرة: 185
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، - رضي الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ: "لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَلَ وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ". - رواه البخاريُّ ومسلم واللفظ لمسلم
وعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ» - رواه البخارى
وعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تُقَدِّمُوا الشَّهْرَ حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَلَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثُمَّ صُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَلَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ"
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ، الشَّهْرَ هَكَذَا وَهَكَذَا عَقَدَ الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ وَالشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي تَمَامَ ثَلَاثِينَ".
ثَلاَثًا يَعْنِي تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَثَلاَثِينَ. - رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
وقوله صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين" - أخرجه البخاري ومسلم
ولم يَقل صلى الله عليه وسلم: فَاسْألوا أهل الحساب
هذا أمره صلى الله عليه وسلم، وفعله كان على ذلك أيضاً، فما دخل رمضان ولا خرج إلا بإحدى هذين الطريقين
فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَأَيْتُ الْهِلَالَ فَقَالَ أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ قَالَ نَعَمْ فَنَادَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ صُومُوا - رواه أبو داود والترمذي وغيرهم
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي رَأَيْتُهُ فَصَامَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ - رواه أبو داود وغيره
وعَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ حَدَّثَنِي عُمُومَتِي، مِنَ الأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قَالُوا: أُغْمِيَ عَلَيْنَا هِلاَلُ شَوَّالٍ. فَأَصْبَحْنَا صِيَامًا. فَجَاءَ رَكْبٌ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ فَشَهِدُوا عِنْدَ النَّبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ أَنَّهُمْ رَأَوُا الْهِلاَلَ بِالأَمْسِ. فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ أَنْ يُفْطِرُوا وَأَنْ يَخْرُجُوا إِلَى عِيدِهِمْ مِنَ الْغَدِ.
وقد اشتملت هذه الأحاديث التي تقدم ذِكرُها علي فوائد واحكام كثيرة تتعلق بصيام رمضان والفطرِ منه
تواتر الأحاديث بالأمر بصيام رمضان لرؤية هلاله، والفطر منه لرؤية هلال شوَّال، وإتمام العِدَّة ثلاثين يوماً إذا لم يُرَ الهلال
النَّهي عن صيام رمضان والفطرِ منه حتي يُرى الهِلال، أو تتم العِدَّة ثَلاثين يوماً
نَفيِ الكتِاب والحساب عن امة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالأهلة، لاستغنائها عن ذلك بالرؤية، أو إتمام العِدَّة ثَلاثين يوماً. ولذلك قال النووي: "من قال بحساب المنازل فقوله مردودٌ بقوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ
أي إننا أمة نعتمد على العلم الضروري الحاصل بالحس الذي يعتمد عليه الأمي، ونعتمد كذلك على العقل الذي هو صفة فطرية ليس له علاقة بعامي ولا جاهل، فلا نفتخر نحن بالأمية، ولا نفتخر بإلقاء العلم وراء أظهرنا، ولكن هذا وصف لطبيعة أحكام الشارع، ومن جهة الاستغناء عن الكتاب والحساب بما هو أَبيَنُ منه وأظهرُ وهو الهلال
فلذلك يكون دخول الشهر وخروجه باحدي الإثنين
الأول: إما رؤية هلال رمضان، أو
الثاني: إكمال عدة شعبان ثلاثين يوما إن لم تُثبت الرؤية
وعلى هذا تدل الأحاديث التي تَقَدَّم ذِكرُه
غير ذلك من الطرق الأخرى سواء بالحساب الفلكي أو غيره يكون باطل وذلك لإسباب
الاول: الابتداع في الدين
فقد قال الله تعالى: "وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلۡهُدَىٰ وَيَتَّبِعۡ غَيۡرَ سَبِيلِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصۡلِهِۦ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا"
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رد" - رواه البخاري ومسلم
الثاني: مخالفة النصوص الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في اعتبار دخول الشهر وخروجه برؤية الهلال أو إتمام العدة ثلاثين يوماً إذا لم يُرَ الهلال
وقد تم ذكر الادلة الوافية الكافية على ذلك ولا يجحدها إلا محروم
الثالث: الأخذ بما نَفَاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أُمَّتِه بِالعمل بالحساب في دخول الشهر وخروجه
ودلالة ذلك قول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ، الشَّهْرَ هَكَذَا وَهَكَذَا عَقَدَ الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ وَالشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي تَمَامَ ثَلَاثِينَ". - رواه البخاري ومسلم
الرابع: مخالفة السُّنَّة الثابتة عن النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم فى قبول شهادة العُدول من المسلمين علي رؤية الهلال في دخول شهر رمضانَ وخروجه والعملِ بِها
وهذا أمر جِد خطير فقد قال الله تعالى: "فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ
الخامس: تقديم العمل بالحساب على العمل بالسُّنَّة
وهذا فيه مخالفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وعقابه وخيم، نسأل الله لنا ولكم السلام
السادس: الزعم وهذا لسان حالهم وفعلهم بأَنَّ العمَل بالحساب أضبطُ وأَيْسَر ممَّا جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الدِّينُ يُسْرٌ
والله عز وجل شَرَع لنا الدين على هذه الصِّفة؛ قال الله عَزَّ وَجَلَّ: "يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ
اتقوا الله عباد الله واعلموا انكم موقوفون أمام ربكم عز وجل وعن اقوالكم وافعالكم مسئولون؛ قال الله تعالى: وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولٗا
وأعلموا أن اول ما يُسئل عنه العبد في قبره هل كان لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم متبعاً أم عنها مُعرضاً؛ فقد قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن حال المؤمن عند السؤال في قبره: "وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ. فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا دِينُكَ فَيَقُولُ: دِينِي الإِسْلاَمُ. فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ قَالَ فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَيَقُولاَنِ: وَمَا يُدْرِيكَ فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ"
لا تتعمد أخي مُخالفة الأحاديث الثابتة عن النبيِّ صَلى الله عليه وسَلَّمَ، فإِنَّ هذا أَمرُ خَطيرٌ، لأنَّه يتضمن مُشاقَّة الرَّسول صلى الله عليه وسلم، واتِّبَاع غَير سبيل المؤمنين، وقَد تَوَعَّد الله تعالى مَن فَعَلَ ذلك بِأَشدِّ الوعيد، فقال الله تعالى: "وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلۡهُدَىٰ وَيَتَّبِعۡ غَيۡرَ سَبِيلِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصۡلِهِۦ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا"
اعلموا عباد الله: علامة طاعة الله سبحانه وتعالى طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم